التدريس باستخدام الذكاءات الثمانية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
لقد ظلت الممارسة التربوية مقيدة حتى الآن بنظرة ضيقة للذكاء؛ حيث أنها تعتبر ذكاء المتعلم/ المتعلمة عبارة عن قدرة واحدة وموحدة يمكن تلخيصها أو التعبير عنها من خلال رقم معين يصطلح عليه "معامل الذكاء". كما أن هذه النظرة التقليدية للذكاء ظلت محدودة من حيث القدرات العقلية التي يتم قياسها أو الاعتماد عليها في تحديد مستوى الذكاء الذي يتوفر عليه الطفل.
وهذه القدرات هي: اللغة والرياضيات. وهما المجالان اللذان يطغيان على البرامج المدرسية التقليدية، حيث إنه من الصعوبة بمكان أن يتمم المتعلمون/ المتعلمات الضعفاء لغوياً أو رياضياً مسيرتهم التعليمية في النظام المدرسي التقليدي.
ورداً على هذا المنظور الضيق، ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الدراسات والنظريات السيكولوجية، والتي تثبت بكل جلاء أن الذكاء الإنساني يشمل على مهارات متعددة، وتدعو الأنظمة المدرسية إلى مراجعة تعاملها مع المتعلمين. وذلك بمراعاة القدرات المختلفة لديهم وعدم التركيز فقط على المهارات اللغوية والرياضية. ولعل أهم نظرية تذهب في هذا الاتجاه الجديد هي نظرية "الذكاءات المتعددة" التي بلورها الباحث الأمريكي هاورد كاردنر (haward Gardner) انطلاقاً من أبحاثه الميدانية مع مجموعات مختلفة من الأشخاص (الأطفال المتميزين والأشخاص الذين تعرضوا لإعاقات عقلية، الخ). فقد توصل إلى أن القدرة العقلية عند الإنسان تتكون من عدة ذكاءات، وأن هذه الذكاءات مستقلة عن بعضها البعض إلى حد كبير.
وحسب آخر ما ورد في هذا الموضوع، فإن الفكر البشري يشمل على ثمانية ذكاءات مختلفة وهي:
الذكاء اللغوي - الذكاء المنطقي - الذكاء الحركي - الذكاء الاجتماعي - الذكاء الذاتي - الذكاء الموسيقي - الذكاء المكاني - الذكاء الطبيعي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفرد يملك واحداً أو أكثر من هذه الذكاءات، باعتبار أن الذكاء المتوفر يشكل تميزا بالمقارنة أولاً مع الذكاءات الأخرى، وثانياً مع الأشخاص الآخرين.
فإذا كان شخص ما يمتاز بذكاء لغوي مثلاً، فمعنى ذلك أنه متفوق في هذا المجال بالمقارنة مع القدرات الأخرى؛ كما أن هذا الشخص قد يتميز بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين في نفس النوع من القدرة.
إن هذه النظرية الحديثة للذكاء البشري توضح لنا أنه من الخطأ علمياً أن تقيم القدرات العقلية للمتعلم/ المتعلمة فقط من حيث المهارات اللغوية أو الرياضية؛ كما أنه من الخطأ ومن غير المنطقي أن تركز المناهج والمواد التربوية على هذه المجالات التدريسية وأن تقضي أو نقلل من أهمية المجالات المعرفية أو المهاراتية الأخرى.
انطلاقاً من تعدد الذكاءات ومن الاختلافات المحتمل وجودها داخل الفصل الدراسي من حيث هذه الذكاءات، فإنه من باب الإنصاف، بل من باب الواجب الأخلاقي والمهني، أن يلقى كل المتعلمين والمتعلمات الفرصة والوسيلة المتاحة للتعلم والنمو وتحقيق الذات داخل الفضاء المدرسي.
وبناءً على هذا، فإن المناهج والمواد المدرسية مطالبة بتنويع المحتويات المدرسية وتنويع المداخل لنفس الهدف التربوي، وتكييف المادة التدريسية حسب الذكاءات والمهارات المتوفرة لدى المتعلمين/المتعلمات، مما يحقق مجموعة من النتائج التربوية الإيجابية نذكر منها:
1. تمكين المتعلمين والمتعلمات ذوي الذكاءات المختلفة من التعلم المستهدف، عوض أن تكون الاستفادة متوقفة على المهارات اللغوية أو الرياضية.
2. إعطاء فرص لتعزيز وتقوية التعلم لنفس المادة، حيث إن تنويع وسائل تقديمها يمكن المتعلم/ المتعلمة من التعامل مع نفس المحتوى و بكيفيات مختلفة، مما يسهل الاستيعاب وتثبيت المعلومات.
3. تمكين المدرس أو المدرسة من ضمان مشاركة أكبر من المتعلمين والمتعلمات وبالتالي تحقيق نتائج أفضل وضمان مستوى أعلى من النجاح في النظام المدرسي.
4. تحقيق الإنصاف بين المتعلمين والمتعلمات ذوي القدرات والميولات المختلفة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته