القلق
هو أحد العواطف الطبيعية في حياة الإنسان التي تمثل جرس إنذار مبكر أو ناقوس خطر للإنسان ليأخذ حذره واحتياطه من خطر محدق على حسب تقدير العقل الباطني من تجاربك السابقة. ويعتبر عاطفة القلق العامل المشترك الأساسي لجميع الاضطرابات العصابية.
عندما يواجه الإنسان بنوع من التهديد الذي يستهدف حياته أو اعتبار ذاته والذي يثير خوفه أو فزعه، يطلق الجسم استجابة غريزية تدعي استجابة القتال/ الهروب، وهي عبارة عن إنذار بالتهديد القادم يهيئ الفرد ويمنحه النشاط والطاقة اللازمة للتعامل مع هذا التهديد، أما بالصمود و المواجهة، أو الركون للهرب تجنباً للأذى أو الموت. هذا كان ما يفعله أجدادنا في العصور الأولي للاستمرار في الحياة في بيئة مهددة للحياة.
التهديدات التي نواجهها في عالم اليوم ليست بالضرورة ذات خطورة تستهدف الحياة أو سلامة الجسد، فهي من نوع آخر عبارة عن هموم وضغوط بيئية وأسرية واجتماعية. فلا زال جهاز إنذارنا يستجيب بصور متفاوتة، نسميها حالة قلق أو خوف أو فزع اعتمادا على حدة أو عنف الاستجابة، محذراً بأن هنالك شيء يتطلب الحيطة والتعامل معه. وحيث أنه في هذه الأحوال لا مجال للهرب أو التصدي، علينا التحمل والمعاناة من كل الأعراض المتعلقة بهذه الاستجابة. لهذا صار لزاماً علينا أن نجد وسيلة أخرى للتعامل مع هذه الأعراض في حالة حدوثها، أو نجنب أنفسنا انطلاقة هذا الإنذار في المقام الأول.
ويحدث القلق بدرجات متفاوتة؛ فالقلق البسيط يبدو كانشغال للبال أو كحالة ترقب وخشية من حدوث أمر غير سار. أما القلق الشديد فيبدو في شكل خوف أو فزع يكون نتيجة لموقف أو حادث مزعج، حقيقياً كان أو متوهماً. وقد لا يكون بحجم المثير. ومن المحتمل أن يكون مصاحباً بأعراض جسدية لإثارة الجهاز العصبي اللاإرادي كتعرّق وارتجاف ودوخة.
غالبا ما يكون القلق البسيط كرد فعل لصراع أو إحباط ما ، أو لضغوط نفسية أو بيئية في مجال العمل أو الأسرة أو المجتمع. وقد يكون استجابة لتهديد بإيذاء بدني أو معنوي يتعلق باحترام الذات أو كرامة الشخص. وأحياناً يكون السبب لدافعية داخلية للفرد نفسه تضعه تحت ضغوط مستمرة ليصل بإنجازاته لمستوي غير واقعي أكبر من إمكانياته وقدراته العقلية أو البدنية ، ولذلك تراه في صراع مع نفسه يزيد الضغط ليصل إلى ذلك المستوى غير المتوقع أو المطلوب منه.
فرويد ميّز بين نوعين من القلق، فالقلق الموضوعي هو عبارة عن استجابة واقعية للخطر الناجم عن البيئة ، أما الثاني وهو القلق العصابي فهو ناتج عن صراع لا شعوري داخل الفرد الذي لا يكون قط واعياً بأسبابه. ويعتبر فرويد القلق كصراع لا شعوري بين رغبات ألهو الجنسية والعدوانية من جانب، و بين رغبات الأنا والأنا العليا والتي تميل إلى عالم الواقع والمثاليات من جانب آخر. فالتعبير عن رغبات ألهو يشكل بصورة واعية تهديدا لكيان الفرد لأنها تتعارض مع معايير المجتمع ومثل وأخلاقيات الفرد، ولذلك يصعب التعبير عنها شعوريا وبشكل علني. ولكن هذه المشاعر والرغبات التي يلح عليها ألهو لإشباعها والتي يتم كبتها بصورة فاعلة يمكن أن ينفس عنها لا شعوريا عن طريق أحلام النوم أو أحلام اليقظة.
حالة التوتر وعدم الشعور بالراحة و التي تنتج عن القلق قد تدفع الشخص لتجنب مثير القلق إذا ما أمكن ذلك، أو في محاولة لتخفيض حدة القلق قد يلجأ ألي آليات الدفاع النفسية المتعددة. إلا أن هذه الآليات لا تواجه المشكلة مباشرة بل تسعى لتشويه الواقع أو الحقيقة مثلاً بنكرانهما أو إيجاد التبريرات غير المنطقية لهما، ولذلك تستمر الحالة كما هي.
البعض يحاول تخفيض القلق أو التخلص منه بوسائله الخاصة التي تعود عليها وقد تكون هذه الوسائل غير متكيفة وقد تعود بأضرار أضافية، مثلا اللجوء للمسكرات والعقاقير الضارة بالعقل.
نظرية التعلم تعتبر أن القلق يحدث نتيجة لارتباط مباشر بمثيرات القلق البيئية من خلال عمليات الأشراط والتعزيز. ومع التكرار ومضي الوقت يتم تعميم هذه الاستجابة لمثيرات بيئية جديدة قد لا يتعرف عليها العقل الواعي وإنما يدركها العقل اللا واعي لأنه يرى صلة ما تجمع ما بين كل المثيرات وهذا ما يحدث بالتحديد في حالة المخاوف المرضية.
العامل الوراثي بدون شك له أهميته لأن حالات القلق تكثر بين أفراد الأسرة الواحدة. ولذلك تجد أفراد هذه الأسر ليس فقط قلقون، بل تكثر بينهم الاضطرابات العصابية مثل اضطراب القلق المعمم، واضطراب الوسواس القهري، ونوبات الرهاب والفزع المرضية، بالإضافة لإمكانية إصابتهم بالأمراض النفس جسدية، كالقولون العصبي، والصداع النصفي، وقرحة ألاثني عشر.
اضطراب القلق المعمم:
هو شعور مؤلم من الهم والغم والخوف بصورة مستمرة معظم ساعات اليوم والأشهر. وتشمل الأعراض، التوتر، والشد العضلي، والشعور الدائم بالإعياء والإرهاق، وضعف التركيز، واضطراب النوم. وكل هذه الأعراض تؤثر سلباً على أداء الشخص مهنياً واجتماعيا وأسرياً. وأكثر ما يؤلم المصاب اجتراره لأفكار وذكريات سابقة مؤلمة، وتوقعات متشائمة عن المستقبل، وهموم قد تتعلق بالصحة أو العمل أو المال أو العلاقات الأسرية والاجتماعية. وهي تكون مصدر إثارة متواصلة للجهاز العصبي اللا إرادي الذي بدوره يؤدي إلى حالة قلق مستمرة. إثارة الجهاز العصبي اللاإرادي المستمرة قد يعرضهم مستقبلاً للأمراض النفس جسدية كالصداع النصفي وقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم أو السكر.