القراءة ليست هواية؟
لطالما كتبت وكتب غيري عن القراءة وأهميتها وفوائدها، لكن أرى أن كتاباتنا السابقة لم تتعمق كثيراً في أهمية القراءة، فهناك مفاهيم أعمق مما كنا نطرحه يجب أن نتناولها، وهناك مفاهيم يجب أن تصحح، هذا ما أراه حسب وجهة نظري، والقراءة والكتاب والثقافة والتقدم والتطور أمور متلازمة ومفاهيم مترابطة، لذلك علينا أن لا نمل من التطرق لمثل هذه المواضيع بحجة التكرار، وعلينا أن لا نمل من طرحها لأننا نعاني من ظاهرة شح القراءة في مختلف شرائح المجتمع، وتكفي هذه الإحصائية التي قرأتها في جريدة محلية للدلالة على مدى معاناة الكتاب معنا كعرب، إذ قرأت في الإحصائية أن متوسط ساعات القراءة في إحدى الدول الأوروبية يصل إلى 200 ساعة سنوياً، بينما تنخفض هذه الساعات وتتقلص و"تنبطح" إلى 6 دقائق فقط سنوياً للفرد العربي! والعهدة على الصحيفة.
عندما كنا نسأل عن هواياتنا، كنا نجيب بعدت إجابات ومن ضمنها القراءة، ولا أدري هل فعلاً نحن نقرأ بشكل مستمر وجاد حتى ندرج القراءة ضمن قائمة لا منتهية من الهوايات؟ أم أن قراءة الجرائد وملاحقها الرياضية والفنية وقراءة مجلات "الهشك بشك" نعتبرها قراءة؟ ثم هل القراءة تعتبر هواية؟
دعوني أتفلسف قليلاً وأقول؛ هل نذكر التنفس ضمن قائمة هواياتنا؟! سؤال غريب، أدرك ذلك تماماً! ماذا لو سمعنا أحدهم يقول: هوايتي المفضلة هي الأكل؟! سنضحك ونأخذ منه هذه الكلمات على أنها نكتة طريفة يريد بها أن يؤنسنا في هذا الزمان النكد أو حقيقة طريفة خصوصاً إن كان من أصحاب الأجسام الممتلئة!، بالتأكيد ستستغربون هذه الفلسفة، لماذا؟ لأن هذه الأمور عادات أو أفعال ضرورية طبيعية لكل إنسان ولكل كائن آخر، وكذلك أرى القراءة، أرى أنها أمر ضروري لكل إنسان تماماً كالتنفس والأكل لا غنى عنها، بل والقراءة أمر يتميز به الإنسان عن باقي المخلوقات ولذلك أرى أن القراءة ليست هواية أبداً.
من الأمور الأخرى التي يجب أن نتعمق في طرحها، هي مسألة غرس حب المعرفة في نفوسنا وفي أبنائنا، حب المعرفة والاستطلاع والفضول العلمي والبحث والاستقراء والاستنتاج، هذه العادات المفيدة يجب غرسها في المجتمع وإحلالها محل عادات أخرى سلبية، ولأن القراءة إحدى وسائل المعرفة والعلم، فمن الطبيعي أن نرى المجتمع يقبل على القراءة ما دام أن حب المعرفة قد غرس فيه، لكن إن وضعنا المعرفة في مرتبة بعد الغناء والحفلات والمظاهر والأسواق و"المغازل" .... الخ، إن وضعناها بعد كل هذا فمعنى ذلك أننا ألغينا حب المعرفة تماماً من حياتنا وصارت حياتنا سلسلة من الأمور التافهة والنتيجة النهائية تساوي إنسان تافه.
الأمر طبعاً ليس بهذه السهولة، أعني غرس حب المعرفة، لأن تراكم العادات السلبية على مر السنين يحتاج إلى سنين طويلة لتغييرها، وكذلك غرس العادات الإيجابية يحتاج إلى مجهود منظم ومخطط يسير وفق أهداف محددة، وهذا ما نفتقده في الكثير من الجهود التي تهدف إلى غرس قيم إيجابية في المجتمع.
ولو نظرنا بنظرة شمولية لواقع وأسلوب الحياة عند أهم فئة من المجتمع وهي الشباب، سنرى مظاهر عديدة سلبية وإيجابية، الإيجابي منها هي وجود القدرة لدى الشباب في التغيير الوضع إلى الأفضل، أقول هنا وجود القدرة، لكن أين الإرادة؟ نحن نفتقد للإرادة بسبب السلبية والأنانية، الكل ينتظر الكل حتى يصلح أمر ما أو يزيل عائقاً ما، قد نكتب ونتحدث عن السلبيات لكن أي الفعل الإيجابي الذي يجب أن يقوم به كل فرد تجاه المشكلة أو السلبية؟
تقولون: وما علاقة هذا بموضوع القراءة؟ أقول بأن الفعل الإيجابي تجاه أي مشكلة سيؤدي إلى حل هذه المشكلة ولو كان هذا الفعل صغيراً، وبتراكم المبادرات والأفعال الإيجابية سنصل إلى حل مشاكلنا، مثلاً، بمقدور كل مجموعة من الشباب سواء كانوا في المدرسة أو الجامعة أن يقوموا بعمل جماعة للمكتبة أو للقراءة، ومن ثم يقوموا بعمل أنشطة تسير في اتجاه تشجيع القراءة وحب الاستزادة من العلم والثقافة. باستطاعة كل شاب أن يساهم في تكوين مكتبة على مستوى المنزل أو الحي أو المسجد، في استطاعة كل فرد منا تشجيع الآخرين على القراءة بإهدائهم الكتب أو حتى بتعريفهم بعناوين الكتب.
أشكال الفعل الإيجابي تجاه هذه القضية تتنوع وتتفرع ولو حولنا أن نذكرها فلن تنتهي لأن المجال في هذا واسع والآفاق رحبة، وكل شخص يستطيع أن يبدع في خدمة هذا الهدف، غرس حب المعرفة في مجموعة محددة من المجتمع.
القراءة أمر ضروري ولا نستطيع أن نعتبرها هواية نمارسها متى نشاء، بل هي عادة نمارسها يومياً وبشكل تلقائي، وغرس حب المعرفة عامل مساعد على حب القراءة، لأن القراءة وسيلة من وسائل اكتساب المعرفة، وحتى نغرس حب المعرفة في المجتمع علينا أن نحاول ونبادر بأفعال إيجابية تجاه خدمة هذا الهدف.